
الرايات والعسكر .. الانتفاضات السياسية في زمن الائمة والموقف السياسي منها (الجزء الثاني)
استكمالاً لبحث الأسبوع الماضي، وتحت عنوان :" الرايات والعسكر .. الإنتفاضات السياسية في زمن الأئمة(عليهم السلام) والموقف السياسي منها"، أقامت مؤسسة دار الحكمة في لندن أمسيتها الأسبوعية مساء يوم الجمعة المصادف لــ2024/10/25 ، بمشاركة الأستاذ "عباس المرشد".
في البداية اعتبر الأستاذ "المرشد" أن من الضرورة بمكان فهم الأئمة(عليهم السلام) قبل فهم الظروف التي سادت مراحل حياتهم الشريفة، بادئاً بحثه بالتأكيد على أن زمن الإمام الباقر والصادق(عليهما السلام) تميز بمسألة صناعة الفقهاء بعد أن تم القضاء على قراء القرآن في معركة "دير الجماجم" وهذا ما جعلها تحدياً لعمل الأئمة(عليهم السلام) لما اكتسبه الفقهاء من نوع من الجماهيرية والمقبولية والسلطة التي تفوق سلطة الشريعة والإيمان والإمامة، ما يعطيهم القدرة على تبرير تصرفات السلطة للمنفعة الشخصية. ظهر هذا الأمر بعد أن أفتى "مالك بن أنس" بحلّية الخروج مع "زيد"، وغيره من الأمثلة التي شهد عليها التاريخ.
وكان الإمام الصادق(عليه السلام) أول من نشر التشيع في بلدان المغرب العربي من خلال إرساله لمحدثين ودعاة إلى تلك البلدان وهداية الناس ودعوتهم إلى التشيع وهذا ما سبب التفافاً حول أهل البيت(عليهم السلام) لأنهم كانوا نماذج جيدة مهدت لدولة الأدارسة في تلك المنطقة، فكان التشيع العاطفي الذي شجع على انطلاق ثورات ضد الدولة الأموية ما ولَّد بيئة كبيرة باتت تلهج بحب أهل البيت(عليهم السلام) ونموذجهم في الحكم، والتشيع السياسي عند بعض الشخصيات التي التفت حول أهل البيت(عليهم السلام) وأعلنوا ثوراتهم في ما بعد.
أما في السرد التاريخي فاعتبر الأستاذ أن ثورة "محمد النفس الزكية" كانت أول الثورات التي انطلقت ضد الدولة العباسية، لكن تلك الثورة لم تستمر لأكثر من شهرين بسبب مكيدة العباسيين. وعرَّج الأستاذ في سرده التاريخي على أبناء الأئمة الذين قادوا ثورات وأقاموا ولايات لعله كان يشرف عليها الإمام الكاظم والإمام الرضا(عليهما السلام) في تلك الحقبة. ولم يكن هؤلاء مذمومين بالنسبة للأئمة(عليهم السلام) وإن كان الإمام(عليه السلام) لا يشارك فيها بشكل مباشر. واستفاض الأستاذ بذكر وتحليل تفاصيل وجزئيات ثورة "الحسين بن علي صاحب فخ" التي تشبه ثورة كربلاء إلى حد كبير، وكانت في زمن الإمام الكاظم(عليه السلام) ضد "الهادي العباسي"، الذي وصلت به الأمور إلى درجة تفكيره بقتل الإمام الكاظم(عليهم السلام)، في ظل انتشار كبير للتشيع في تلك الفترة واقتصاد قوي تمثل بما كان يملكه الإمام(عليهم السلام) من أموال شرعية، لكن محاولته باءت بالفشل بعد أن قُتل "العباسي" على يد أمه بسبب خلافات على الحكم.
واعتبر الأستاذ أن استراتيجية الأئمة(عليهم السلام) كانت مبتنية على تفكيك نظام الخلافة كقوة، وترسيخ نظام الإمامة كسلطة وكان هذا الهدف الأول الذي كان على أساسه تعامُل الإمام(عليه السلام) مع الثورات. وأوكل الأئمة(عليهم السلام) مهمة تفكيك هذه الأنظمة إلى خلاياهم السرية بدعم غير مباشر للقوى الصاعدة وفق شروط اجتماعية وعقائدية . ومارس الأئمة(عليهم السلام) أدواراً سياسية وعلانية دفَّعتهم أثماناً كبيرة ومن هنا كان القول المعروف عن الإمام الصادق(عليه السلام): "والله ما منا إلا مقتول شهيد".
بعد ذلك فتح المجال أمام الحضور لطرح الأسئلة، فاعتبر الأستاذ أن عدد الثورات التي انطلقت في زمن الأئمة بعد كربلاء يختصر بخمسة وثلاثين منتسبة إلى أبناء الأئمة(عليهم السلام)، وأن الفترة التي كانت فيه الغيبة الصغرى تميزت بدويلات شيعية امتد بعضها لمئة سنة أو أكثر وليس ثورات، كما أكد على ضرورة إيجاد رسم بياني توضيحي لتاريخ تلك الفترة الزمنية بهدف فهمها وترسيخها بالطريقة الصحيحة.