البرنامج الأسبوعي

العدالة السياسية في سيرة الامام الرضا عليه السلام

ضمن برنامجها الأسبوعي، عقدت مؤسسة دار الحكمة يوم الجمعة ٩ سبتمبر، أمسية بعنوان (العدالة السياسية في سيرة الإمام الرضا عليه السلام).

أدارت اللقاء الباحثة مريم الرفيعي بعرض موجز عن تعريفات العدالة المختلفة، معتبرة أن عنوان العدالة جذاب للجميع، حيث أنه عابر للفئوية والمذهبية. وأثارت في مقدمتها تساؤلات عن مدى إمكانية أخلقة السلوك السياسي وفق المبادىء الأخلاقية التي تسالم عليها البشر، ،آن تكون مرجعاً للكثير من الأنظمة؟ وأوضحت متسائلة هل يمكن ضمان أن السياسي لن يغلب أهوائه ونزعاته الشخصية إذا كان مرجع نظامه أخلاقي وليس ديني؟

وتابعت الرفيعي إلى أن كثير من الفضائح أطاحت بزعماء ورؤساء دول، فعلى سبيل المثال لاحقت الحرائق الأمريكية الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، ونال الأعلام أيضا من زوجة ترامب باعتبارها عارضة أزياء وليست من طبقة النبلاء، وأطاحت فضيحة احتفال رئيس وزراء بريطانيا بالكريسمس فترة الحظر، ( أطاحته) من منصبه، وهكذا.

وأعطت الرفيعي خلال مقدمة البرنامج مقارنة بين النظام الديني والشيعي تحديدا وبين غيره من الأنظمة، وقالت في ختام المقدمة بأن حلقة اليوم ستبين لنا إلى اي مدى ممكن تكون الشخصية المعصومة التي التي لا يعتبر الآخرون بقداستها ضامن للعدالة!

وكان ضيف الأمسية الرئيسي الباحث الأستاذ عباس المرشد، حيث استهل حديثه بالتأكيد على أن سؤال العدالة السياسية في سيرة الإمام الرضا يستحق العناية والكثير من البحث.   وتسائل المرشد في بداية حديثه، ما الذي نعرفه عن الإمام الرضا (ع)؟

وقال المرشد بأن أغلب الناس يعرفون أنه دخل في شراكة سياسية مع المأمون وفقط! وتابع المرشد بأن الإمام الرضا (ع) ولد في ١٤٨ هـ،وهناك اختلاف في تاريخ الولادة، غير أن الاغلب يميل إلى ولادته في العام ١٤٨هـ ثم لفت المرشد إلى أن الإمام الرضا دخل مع المأمون في الشراكة عام ٢٠٠ هـ واستشهد سلام الله عليه بعدها بثلاث سنوات، وبذلك تكون مدة هذه التجربة سنتين ونصف.

واعتبر المرشد بأن تلك المعلومة المهمة تشكل صدمة لدى الكثيرين، مضيفا بأن الصدمة الأخرى هو أن الإمام الرضا لم يكن يستطيع الإعلان عن إمامته مدة خمس سنوات بعد استشهاد أبيه الإمام الكاظم (ع).

واستعرض المرشد جانبا من الظروف التي كانت تعصف بالأمة في تلك الفترة، مشيرا إلى أنه في سنة ١٩٩ هـ وبعد سنة من استلام المأمون الحكم، خرج عم الإمام الرضا الملقب بالسيد محمد الديباج في ثورة وأعلن فيها عن امامته ودعا الناس اليه.  وقيل بأن السبب رسالة شتمت فيها السيدة فاطمة الزهراء (ع). وللقضاء على تلك الثورة أرسل المأمون عيسى الجلودي وهو معروف بقسوته وشراسته، واستطاع الأخير محاصرة السيد محمد الديباج وافشل ثورته، لكنه عقد معه الصلح وارسله الى خراسان.

كذلك قام الجلودي بمحاصرة بيت الامام الرضا (ع) وأمر بسلب كل طفل وامرأة الى درجة أن الامام الرضا (ع) كان يحاول منعه ويتعهد اليه باعطائه ما يريد لمنع من انتهاك حرمة المنزل!

وبعد ذلك العرض الموحد، قال المرشد بأن المشكلة، هو اننا نعرف جانب فقط يسير من كل امام، من قبيل اختصار سيرة الإمام الحسن المجتبى بالصلح مع معاوية، وسيرة الإمام الرضا بقبول ولاية العهد، وسيرة السجاد بالبكاء وهكذا. وحتى نتعرف على حقيقة سيرة أهل البيت، فإن هناك حاجة بحسب المرشد إلى أن ننطلق من القرآن الكريم.

وقال المرشد كيف نبحث عن العدالة السياسية للإمام، ومن اين نكتشفها هل من الاحاديث او السيرة أو من مكان اخر؟ وبالإشارة إلى كتاب الشهيد الصدر تنوع ادوار ووحدة هدف، يعتقد المرشد بأن الصدر كان يريد ان يكتب سيرة موضوعية، لأن السيرة الفردية وضعتنا في اختزال وتجاذب وتمايز لإمام عن اخر بما تشتهيه الانفس! ثم تسائل من جديد هل يمكن اكتشاف العدالة السياسية عند سيرة الامام الرضا؟

وقال المرشد بأن المنهج الموضوعي لسيرة كافة الأئمة تكشف لنا كيف المنهج الموضوعي لمفهوم العدالة رغم تقلب الظروف والأزمنة. موضحا الغاية من تلك الاشارات برواية تنسب للامام الهادي وكذلك الرضا، انه كتب للأمام ابو الحسن وهي كنية مشتركة بين الإمام الكاظم والرضا (ما هي صفات الله؟) فكان الجواب برفض التكلم في صفات الله حتى لمن لديهم حصة من العلم !

وقال المرشد ربما يكون ذلك عائد لوجود فتنة كبيرة حين ظهرت نقاشات عن خلق القرآن وغيرها، وانه قول الإمام كان بمثابة قرار من الحاكم الشرعي لظروف موضوعية في ذلك الزمان، وليس فتوى مطلقة.  ولذلك وفي خضم الحديث عن العدالة السياسية، فإنه من المهم التمييز عن العدالة التي تخص المجتمع!

وبالعودة إلى حياة الامام الرضا(ع) وعصره، فقد كانت سمات المجتمع هو انه اولا عسكري مترف. لان الحكام العباسيين استحوذوا من الفتوحات وجمعوا من الغنائم والاموال الكثير الكثير، إلى درجة أن المأمون كان يصرف ما يقرب من ٦٠٠٠ الاف درهم على موائد الطعام فقط.  كما أن هارون الرشيد كان يخاطب السحابة اين ما تمطري يأتيني خراجك.

تلك الحالة بحسب المرشد، ولدت انفصال بين المجتمع والطبقة الحاكمة الارستقراطية، وأدى إلى أن المجتمع انقسم انقسام عمودي بين طبقة متخمة وطبقة مسحوقة. أما من الناحية السياسية، فقد كانت السلطة استبدادية تقمع الحريات، لكن المفارقة انهم يروجون للحرية الدينية وكانوا يهتمون بالمكاتب والكتب، غير أن ذلك الحال كان يدور في مدار واحد، وهو قل ما تشاء ولكن لا تمس الحاكم. كن ملحدا مارقا او اي شي، لكن لا تقترب من الحاكم! علاوة على ذلك هو تشجيع الانحلال والفسق والدعارة، حتى صار كتاب الاغاني مثلا مخصص لتوثيق مجالس الطرب للعباسيين، وكتاب آخر احتوى ١١ مجلد فقط للطبخ.وفي ذلك الظرف اذا تكلم الامام في المدينة يفرض عليه الحصار.

بعد ذلك العرض قال المرشد بأن اطروحة الامام في العدالة السياسية هي الأطروحة القرآنية التي تختصرها الآية الشريفة " لَقَدْ أَرْسَلْنَارُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥبِٱلْغَيْبِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ". هذه خلاصة العدالة السياسية التي ينطلق منها الامام الرضا والامام علي وكل اهل البيت (ع).

وفي ظل الحديث عن سيرة الإمام الرضا (ع)، وبحسب كتاب عيون الأخبار، فقد نشبت فتنة شديدة بين الأمين والمأمون استمرت خمس سنوات وكادت تذهب بالدولة، ومن سنة ١٩٨ إلى ٢٠١ هـ تفجرت ٥ ثورات تقريبا ضد حكم العباسيين. وكان المأمون يواجه هذه الحركات باحتوائها والدخول معها في معاهدات وصلح في نفس الوقت كان المأمون يواجه العباسيين انفسهم لان هناك خلاف كبير داخل البيت العباسي. أما الفئة الأخرى فهو المجتمع الذي تضخمت ثروة الطبقة الارستقراطية فيه، وزاد فقر الفقراء.

وفيما يتعلق بولاية العهد فإن الإمام الرضا (ع) وافق عليها بعد شهرين من الضغوطات والمراسلات بين الترغيب والمراسلة والترهيب. وكان الامام يتمنع ويرفض إلى ان قبل بعد تهديده بالقتل، ولكن الإمام يُسأل " لماذا قبلت ؟"، فيجيب "كما كان عليٌ في الشورى".

كذلك فإن الامام قبل العرض هنا ولكن بفرض شروطه، بأن لا يعين ولا يعزل .. الخ، بمعنى انه وافق بشروطه وليس بشروط المأمون.

من جانب آخر يُعتقد بأن الثورات التي انطلقت مع فترة ولاية العهد كانت على صلة غير مباشرة بالإمام، ومن هنا فإن السؤال الذي يجب أن يطرح ليس لماذا قبل الإمام بولاية العهد، وإنما لماذا قبل المأمون بشروط الإمام ؟ وهي شروط تؤكد على ان وعي الامام باللعبة السياسية اكبر من المأمون.

ومن خصائص الامام لضرب الطبقة السياسية هو انه لا يأكل الا اذا جمع الخدم،؟وهي رسالة رمزية لتساوي الناس وهو اول ركن في العدالة السياسية.

التسجيل الكامل للفعالية

صور للفعالية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى